“الطبقة الأخيرة” رحلة في مرايا الوعي… بين الواقع واللاوعي
صدرت مؤخرًا عن دار الرقيم للنشر والتوزيع رواية جديدة بعنوان «الطبقة الأخيرة» للكاتب السكندري نبيل بهاء الدين، وطرحت لأول مرة للجمهور خلال الدورة العاشرة لمعرض الإسكندرية للكتاب. هذا العمل هو الإصدار الروائي الثاني للمؤلف بعد رواية «غوستاف» الصادرة عام 2016، وهو يتميز بالتوغل في مناطق نفسية وفلسفية قلما تعالجها الروايات العربية المعاصرة.
بناء سردي رمزي
لا تسرد الرواية حكاية خطية معتادة، بل تقدم بطلها “خالد” في رحلة تغوص داخل “متاهة الوعي الإنساني”. يسير القارئ إلى جانبه عبر فضاء خانق تسيطر عليه المرايا والانعكاسات والدفاتر التي تستدرج الذكريات، بينما تتكرر اللحظات وتتقاطع. هذا التكرار الزمني والاستعارة الرمزية للمرايا يكشفان عن رغبة واضحة في تفكيك ثنائية الـ”أنا” والـ”آخر” وتحويل الزمن إلى دائرة بلا بداية أو نهاية. يطرح النص سؤالاً وجودياً محورياً: «هل نحن من نصنع أيامنا أم أن الأيام تعيدنا كما نحن؟» ، وهو سؤال يعكس قلق الإنسان أمام فكرة الزمن والهوية
الأسلوب الذي يعتمد عليه بهاء الدين يمزج بين اللغة الرمزية والتحليل النفسي، حيث يترك مساحة واسعة للتأويل والقراءة الفلسفية. هذا يجعل القراءة عملاً تفاعليًا يتطلب مشاركة القارئ في بناء المعنى واستكمال الفراغات بين الأحداث.
إضافة إلى مشروع الكاتب
يعرف الكاتب بكتاباته التي تمزج الرمزية بالتحليل النفسي، وتأتي هذه الرواية لتؤكد خطه الإبداعي. فبجانب أن «الطبقة الأخيرة» تضيف بعدًا فلسفيًا لمشروعه الأدبي، فإنها تستفيد من خبراته في مجال الأمن المعلوماتي والكتابة الصحفية، حيث يظهر شغفه بتحليل السلوك الإنساني وتفكيك الذوات الرقمية في النصوص.
نقاط قوة
1. جرأة الموضوع: تناول عوالم الوعي واللاوعي يحتاج إلى قلم واعٍ بطبيعة النفس البشرية. الرواية تطرح أسئلة جريئة حول معنى الزمن والذات وتضع القارئ أمام مرآة وجودية.
2. اللغة والرمزية: أسلوب الكاتب يعتمد على لغة مكثفة تحمل صورًا شعرية. المشاهد المتكررة، المرايا، الدفاتر، والانعكاسات تخلق جوًا سرياليًا يدفع القارئ إلى التأمل في فخاخ الذاكرة والأحلام.
3. تجربة قراءة مختلفة: الرواية تتجاوز الترفيه البسيط وتهدف إلى زعزعة يقين القارئ حول حياته اليومية. يستكشف النص دور الروتين اليومي الخانق والمرايا التي تعكس أكثر مما نراه، مما يجعل التجربة أشبه بجلسة تحليل نفسي.
ملاحظات نقدية
• كثافة الأسئلة وقلة الإجابات: الرواية، وفقاً لما هو متاح من عرضها الصحفي، تطرح مجموعة من الأسئلة الوجودية العميقة، لكنها تترك الإجابات مفتوحة إلى حد قد يربك بعض القراء. هذا الخيار الفني قد يكون نقطة قوة لمن يفضلون النصوص المفتوحة، لكنه قد يُشعر آخرين بالتشتت أو الغموض.
• بطء الإيقاع: اعتماد العمل على التكرار الزمني واستبطان المشاعر قد يبطئ الإيقاع السردي ويجعل القراءة أقل جاذبية لمن يفضلون الأحداث السريعة أو الحبكات التقليدية.
• تحدي التجربة الأولى للكاتب بعد “غوستاف”: تظل المقارنة قائمة بين العمل الأول “غوستاف” وهذا العمل. رغم أن الكاتب يحاول أن يضيف عمقًا فلسفيًا جديدًا، إلا أن بعض القراء قد يجدون أن الرواية الجديدة تحتاج مزيدًا من التكثيف أو التوازن بين الفلسفة والحبكة.
خلاصة
«الطبقة الأخيرة» رواية تُضاف إلى الأعمال العربية التي تشتغل على هواجس الإنسان المعاصر وحيرته أمام الزمن والذات. إنها عمل يستحق القراءة لمن يبحثون عن نصوص تستفز الفكر والخيال، وتؤكد أن الرواية العربية تستطيع أن تطرق مجددًا مسارات الوعي واللاوعي بشكل فني. ومع ذلك، فإنها رواية تتطلب قارئًا صبورًا يقبل التحدي، ويستمتع بالتأملات الفلسفية أكثر من الأحداث التقليدية.